
كلمة الوزير في المنتدى الاقتصاد العربي

أيهــــا الحُضــورُ الكَريـــــم،
مِن دَواعي السُرور والأَمَل دائِماً أن يَكون لُبنان مَساحَةً لِــلّقـاءِ والبَحثِ وتَبادُلِ الأفكار. فَكَيفَ إذا كان لِقاؤنا اليَوم إقتِصادِيـاً، في زَمَنٍ تَكــادُ تَنحَصِــرُ هُمـــومُ اللبنانـيِّيـــنَ بِشؤونِهـــم وشُجونِهـــم الأقتصـادِيـَّـــة؟ .
يَتَرَّدَدُ كَثيراً تَعبيرُ " النُهوضِ بالإقتصادِ اللبناني"، وهُوَ ما جَعَلتُموهُ جزءاً مِن عُنوان هَذِهِ الجَلسَة. ويُحزِنُني أن نَكونَ مُنذ العام 1990 الى اليَوم نَستَهلِــك التَعبيرَ نَفسَهُ حتى باتَ مَمجوجــــاً. تُــــرى أمـــا آن لِهــــذا الإقتِصــــاد أن يَنهَــــض؟.
أستشهد دَوماً بِمَقولَةِ لأنشتايــن " لا يُمكِن تِكرار الأمر نَفسَهُ ، بالأسلوبِ والأدواتِ نَفسِــها وانتِظـــارِ نَتائِــــجَ مُختَـلِفَـــــة ".
وإنني أُراهِن اليَوم على تَغييرٍ في مُقارَبَةِ أوضاعِنا الإقتِصاديَّـة والمالِيَّة والنَقـديَّة لِيكون لنا نتائجَ مختلفَة تَضَعُنا على طَريقِ الخُروج من أزماتِنا المُتناسِلَة. ويَندَرِجُ إقرار المُوازَنَة العامة، في صِلــبِ هذا الرِهان، على التَغيير والإنجاز. فالمُوازنَة بالنِسبَة إلينا، لَيسَت أرقاماً وحِساباتٍ فَقَط. هي تُجَسِّد تَوجُّهاتٍ إقتصادِيـَّة وإجتماعيـَّة مُتَكامِلَة. ومَع مَعرِفَتِنا بِحَجم الاعباء التي تَرزَح تَحتَها هَذِه ِالمُوازَنة، وفي مُقدِمَتِها حَجمُ الدَين العام وخِدمته، وتَباطؤ النمو. إلا إننا نُصِّرُ على أن تَحمِل في طَيِّها، بُذور ألامَل بِعَودةِ التوازن تَدريجـاً الى أرقامِها، فَتُساهـِـم بتُوسيع هامِـش الاستِثمار في النمّو والاستقــــرار الاجتماعــي.
واسمحوا لي أن أُرَكِّز بِشكلٍ أساسي على بُعدها التَنمَوي والاجتِماعي، في هذه الظُروف التي نَتفِّــــقُ على صُعوبَتهــــا ودِقتّــها ومَخاطِرهـــــا.
فاذا كُنت كَوَزيرٍ للإقتِصاد والتِجــارَة مَهجوساً بِمَوضوع حِمايَة المُستَهلِــك، فأحرِص على مُكافَحَة كلّ غِشّ يَطاله ، فإنه مِن باب أولى أن نَكونَ جَميعاً حَريصين على حَّق هذا المُستهلِك - المُواطِـن بِسياسَة إقتصاديـَّـة إنمائيـَّة مؤنسَنَـة تُرَكِّز على الإنتــاج وتَنعكِـسُ بِشَكلٍ مَلموس ومُباشَـــــر على المُستـَـوى المَعيشــي.
لا شَكّ إن تطَّور إجمالي الناتِــج المَحَّلي ونِسبَتَــهُ الى عــــدد السكان
per Capita GDP ، يُشَّكِــلان مُجتَمعيــن، أحد المَعاييـــر الأساسِيَّـــة المُعتَمَدَة في المؤسَسات المُتخصِّصَة. فَمؤشِّـــر Legatum العالَمي يُحَـدِّد تِسعَــــة مَعاييــر لِقِيـــاس نِسبَــــة الازدِهـــــار والرَفاهيــــة فـي الـــــدُوَل وهــــــي:
- جـــــودَة الإقتِصـــاد
- بيـئـَـــــة الاعمــــال
- الحَوكَمـــة والشفافيَّـــــة
- التَـربيـَـــة والتَعليــــم
- الصِحَّــة والضَمـــان
- الحُرِيَّــــة الشَخصيَّـــة
- رأس المــال الاجتِمـاعـــي
- البيئَـــة الطبيعيَّــــة
فَما الذي يَمنعُنا أن نُرسيَ اليَوم سِياساتٍ إقتصاديـَّـة تَسيرُ على هَدي احتِـــــرامِ هــــذه القواعِــــد واعطـائِهــــا الاولويَّـــــة؟ .
لقد جَعَل مُنظِّمو هذا المؤتمر عِنوان جَلستنا "النَهوضُ بالإقتِصاد اللبناني بَين الحاجَة الى الإنفاق الإستِثماري والتَرشيــد المالــي". وَقد جَمَعــــوا فيـــه ثـــلاث كلِمـــات مِحوريَّــــة : نُهـــوض، إنفــــاق وتَرشيــــــد.
فالمَطلوب اليَوم ضَبط النَفَقات الجارِيَة غَير المُجدِيَة وِفقَ أولويات وَطنيَّة اقتصاديَّـة واضِحَة ومُتَّفَق عَليها. لكِن هذا الضَبط والتَرشيــــد لا يَتَنافى مَع الإنفاق الاستِثماري، لِمَنع الإنكِماش الإقتِصادي مِن جِهَة وتَحفيز النُمّو وخَلق فِرَص عَمَل لِشبابنــا والدَفع لزِيادة الإنتاج مِن جِهَة أخـــرى، مِمّا يَسمَـــح بِتَكبيـــــر حَجــــم الإقتِصـــــاد.
أيهــا الحُضــــور الكَـريــــــم
لا تَنقصنا الأفكار ولا الإرادة ولا صِدق الالتزام بالنهوض بالبلد. قَد تتباين وجهات النَظر. قد تَختلِف مُقارباتِنا وقَد تَتعارَض أحياناً. لكِنَّنا مُتَـفِّقـون على وجوبِ الخَروج مِن عُنق الزُجاجَة. فالوَضع يَضغَط عَلينا جَميعــاً ويَضعُنـا في سِبــــاقٍ مَع الوَقــــت لِوَضع الحُلول مَوضِع التَطبيـــق.
أختُــم شاكِراً مُنَّظِمي هذا اللِقاء مُتَمَنِيّاً أن يَبقى لُبنان مِنَصَّة العَرَب ومَنبَرِهِــــم، ومَساحَــــة حِـــوار وفِكــــــر.